كارثة جفاف «بحر آرال».. تأثير بيئي يمتد إلى أعماق الأرض

كارثة جفاف «بحر آرال».. تأثير بيئي يمتد إلى أعماق الأرض
جفاف بحر آرال- أرشيف

لم تقتصر كارثة جفاف بحر آرال في آسيا الوسطى على تداعياتها البيئية السطحية، بل امتد تأثيرها إلى أعماق غير متوقعة من باطن الأرض، وفق دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر جيوساينس". 

واعتبر الباحث النيوزيلندي المتخصص في علوم الأرض، سايمن لامب، أن ما حدث يكشف عن مدى تأثير النشاط البشري، قائلاً بسخرية مريرة: "يبدو أن البشرية عطلت الصفائح التكتونية فقط من أجل تحسين إنتاج القطن"، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الثلاثاء.

يقع بحر آرال بين كازاخستان وأوزبكستان، وكان حتى أواخر خمسينيات القرن العشرين رابع أكبر بحيرة داخلية في العالم. 

غير أن تحويل مجريي النهرين المغذيين له -سير داريا وأمو داريا- لأغراض زراعية في عهد الاتحاد السوفياتي، وخاصة لزراعة القطن والأرز، أدّى إلى استنزاف البحر وتحويله إلى صحراء ملحية قاحلة.

تقلص مساحة بحر آرال

ما بين عامي 1960 و2018، تقلصت مساحة بحر آرال بنسبة 90%، فيما فقد 93% من حجمه المائي، أي ما يعادل تبخر ألف مليار طن من المياه، في واحدة من أكبر الكوارث البيئية التي وصفها علماء بأنها "تشرنوبيل صامتة". 

ولم يقتصر التأثير على اختفاء الحياة البحرية ونزوح السكان، بل تسبب كذلك في اختفاء سبل العيش، وتفاقم تلوث الهواء نتيجة الرياح التي تحمل ذرات الملح والمبيدات إلى مناطق واسعة.

ما يثير الدهشة هو ما توصلت إليه الدراسة الجديدة التي قادها تنغ وانغ، أستاذ علوم الأرض والفضاء في جامعة بكين. 

فقد استخدم فريقه بيانات الأقمار الصناعية "سينتينيل-1" التابعة لبرنامج "كوبرنيكوس" الأوروبي، لتحليل التغيرات الطبوغرافية في قاع بحر آرال ما بين عامي 2016 و2020. 

وبيّنت النتائج أن القشرة الأرضية، التي كانت تغوص بفعل وزن المياه، بدأت بالارتفاع تدريجياً بمعدل 7 ملليمترات سنوياً، رغم جفاف البحر منذ عقود.

تشوهات في "نطاق الانسياب"

لكن هذا الارتفاع لا يمكن تفسيره فقط برد فعل مباشر لغياب الماء، بل هو ناتج عن تشوهات في "نطاق الانسياب"، وهي طبقة صخرية تقع على عمق أكثر من 150 كيلومتراً تحت سطح الأرض، حيث تتغير الصخور الساخنة بفعل الضغط والحرارة وتتحرك ببطء شديد.

تسبب الضغط الطويل الأمد لكتلة المياه في دفع الصخور اللزجة في هذه الطبقة نحو الأسفل، لكنها بدأت الآن بالعودة إلى وضعها الأصلي، في عملية بطيئة مشابهة لحركة الصفائح التكتونية، ومن المرجّح أن تستمر هذه العملية لعقود مقبلة.

وتؤكد هذه الدراسة أن التأثيرات البشرية لا تقتصر على البيئة السطحية فقط، بل يمكن أن تمتد إلى أعماق الأرض، وصولاً إلى الوشاح العلوي، فاستنزاف بحيرة مثل بحر آرال لا يقتصر على تدمير النظام البيئي المحلي، بل يمتد إلى التأثير على البنية الجيولوجية لكوكب الأرض ذاته، بما يعيد النظر في مدى قدرة الأنشطة البشرية على إعادة تشكيل الطبيعة حتى على المستوى التكتوني.

ويشكل هذا الاكتشاف تحذيراً علمياً جديداً من العواقب غير المتوقعة للتدخل البشري في الأنظمة البيئية، ويدعو إلى التفكير في الاستدامة ليس فقط كأداة لحماية البيئة، بل لحماية الأرض من التغيرات التي قد تطول بنيتها العميقة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية